الجمعة، 4 مايو 2012

                             رفاعة الطهطاوي 








رفاعة رافع الطهطاوي  من قادة النهضة العلمية في مصر  في عهد محمد على  باشا. وُلد رفاعة رافع الطهطاوي في 15 اكتوبر 1801 ، بمدينة  طهطا  إحدى مدن محافظة سوهاج  بصعيد مصر، يتصل نسبه بالحسين السبط.
لقي رفاعة عناية من أبيه، فحفظ القرآن الكريم، وبعد وفاة والده رجع إلى موطنه طهطا، ووجد من أخواله اهتماماً كبيراً حيث كانت زاخرة بالشيوخ والعلماء فحفظ على أيديهم المتون التي كانت متداولة في هذا العصر، وقرأ عليهم شيئا من الفقه والنحو. التحق رفاعة وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817وشملت دراسته في الازهر  الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف.. وغير ذلك.

يبدأ المنعطفُ الكبير في سيرة رفاعي الطهطاوى مع سفره سنة 1826م إلى فرنسا  ضمن بعثة عددها اربعين طالب أرسلها محمد على على متن السفينة الحربية الفرنسية (لاترويت) لدراسة العلوم الحديثة.
وكان الشيخ حسن العطار وراء ترشيح رفاعة للسفر مع البعثة كإمامٍ لها وواعظٍ لطلابها، وذهب كإمام ولكنه إلى جانب كونه إمام الجيش اجتهد ودرس اللغة الفرنسية هناك وبدأ بممارسة علم، وبعد خمسٍ سنوات حافلة أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة واسعة تخليص الابريز فى تلخيص باريز وقد التحق بالازهر وهو بالثانية عشر من عمره.

عاد رفاعة لمصر سنة 1831 مفعماً بالأمل منكبّاً على العمل فاشتغل بالترجمة في مدرسة الطب  ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية.
وأفتتح سنة 1835 م مدرسة الترجمة، التي صارت فيما بعد مدرسة الالسن  وعُيـِّن مديراً لها إلى جانب عمله مدرساً بها، وفى هذه الفترة تجلى المشروع الثقافى الكبير لرفاعة الطهطاوى ووضع الأساس لحركة النهضة  التي صارت في يومنا هذا، بعد عشرات السنين إشكالاً نصوغه ونختلف حوله يسمى الاصالة ام المعاصرة كان رفاعة أصيلاً ومعاصراً من دون إشكالٍ ولا اختلاف، ففى الوقت الذي ترجم فيه متون الفلسفة والتاريخ الغربي ونصوص العلم الأوروبى المتقدِّم نراه يبدأ في جمع الآثار المصرية القديمة ويستصدر أمراً لصيانتها ومنعها من التهريب والضياع.
وظل جهد رفاعة يتنامى بين ترجمةً وتخطيطاً وإشرافاً على التعليم والصحافة، فأنشأ أقساماً متخصِّصة للترجمة (الرياضيات - الطبيعيات - الانسانيات) وأنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة الاقتصاد  وومدرسة الادارة  لدراسة العلوم السياسية.
وكانت ضمن مفاخره استصدار قرار تدريس العلوم والمعارف باللغة العربية   (وهي العلوم والمعارف التي تدرَّس اليوم في بلادنا باللغات الأجنبية) وإصدار جريدة  الوقائع المصرية بالعربية بدلاً من التركية ، هذا إلى جانب عشرين كتاباً من ترجمته، وعشرات غيرها أشرف على ترجمتها.
بيد أن هذه الشعلة سرعان ما خبت، مع تولِّى الخديوى عباس  حكم مصر، فقد أغلق مدرسة الألسن وأوقف أعمال الترجمة وقصر توزيع الوقائع على كبار رجال الدولة من الأتراك، ونفى رفاعة إلى السودان  سنة 1850 م .
وهكذا عَبَس وجه الثقافة، وعُوِّقَ رفاعة عن مشروعه النهضوى الكبير، بيد أن رفاعة لم يعبس ولم يعاق، فواصل المشروع في منفاه، فترجم هناك مسرحية  .تليماك لفنلون ، وجاهد للرجوع إلى الوطن وهو الأمرُ الذي تيسَّر بعد موت الخديوى عباس وولاية سعيد باشا  ، وكانت أربعة أعوام من النَّفْى قد مرَّتْ.
عاد رفاعة بأنشط مما كان، فأنشأ مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس وعاود عمله في الترجمة (المعاصرة) ودفع مطبعة بولاق   لنشر أمهات كتب التراث العربى (الأصالة).
قضى رفاعة فترةً حافلة أخرى من العمل الجامع بين الأصالة والمعاصرة حتى انتكس سعيد فأغلق المدارس وفصل رفاعة عن عمله سنة   1861.
يتولى الخديوى اسماعيل  الحكم بعد وفاة سعيد، سنة 1863 فيعاود رفاعة العمل ويقضى العقد الأخير من عمره الحافل في نشاط مفعم بالأمل، فيشرف مرة أخرى وأخيرة على مكاتب التعليم، ويرأس إدارة الترجمة، ويصدر أول مجلة ثقافية في تاريخنا روضة المدارس ، ويكتب في التاريخ (أَنْوارُ تَوْفِيقِ الجَلِيل فِى أَخْبَارِ مِصْرَ وتَوْثِيقِ بَنىِ إِسْمَاعِيل)، وفى التربية والتعليم والتنشئة (مَبَاهِجُ الأَلْبَابِ المِصْرِيَّةِ فِى مَنَاهِج الآدَابِ العَصْرِيَّةِ)، (المُرْشِدُ الأَمِينِ للبَنَاتِ والبنَينِ)، وفى السيرة النبوية (نِهَايَةُ الإِيجَازِ فِى تَارِيخِ سَاكِنِ الحِجَازِ)ومن مؤلفاته أيضاً (القول السديد في الاجتهاد والتجديد) و(تعريب القانون المدنى الفرنساوى)و(مغامرات تليماك)و(قلائد المفاخر)و(المعادن النافعة)و الكتير من المؤلفات الأخرى.بعد أن أمضى رفاعة في الأزهر ست سنوات، جلس للتدريس فيه سنة 1821، وهو في الحادية والعشرين من عمره، والتف حوله الطلبة يتلقون عنه علوم المنطق والحديث والبلاغة والعروض، ثم ترك التدريس بعد عامين والتحق بالجيش المصري النظامي الذي أنشأه محمد علي إماماً وواعظاً لإحدى فرقه، واستفاد من هذه الفترة الدقة والنظام.
في سنة 1826  قررت الحكومة المصرية إيفاد بعثة علمية إلى فرنسا لدراسة العلوم والمعارف الإنسانية، وقرر محمد علي أن يصحبهم ثلاثة من علماء الأزهر الشريف لإمامتهم في الصلاة ووعظهم وإرشادهم. وكان رفاعة الطهطاوي واحدا من هؤلاء الثلاثة، ورشحه لذلك شيخه حسن العطار  . بدأ رفاعة في أثناء ذلك تعلم اللغة الفرنسية ولذلك قررت الحكومة المصرية ضم رفاعة إلى بعثتها التعليمية، وأن يتخصص في الترجمة، وقبل أن يتقدم رفاعة للامتحان النهائي كان قد أنجز ترجمة اثني عشر عملاً إلى العربية. لقد رضي محمد علي ومعظم أبنائه الولاة عن الشيخ رفاعة الطهطاوي فقد بلغت ثروته يوم وفاته 1600 ألف وستمائة فدان غير العقارات وهذه ثروته كما ذكرها على مبارك  باشا في خططه:
  • أهدى له إبراهيم باشا حديقة نادرة المثال في (الخانقاة). وهي مدينة تبلغ 36 فداناً.
  • أهداه محمد علي 250 فداناً بمدينة طهطا..
  • أهداه الخديو سعيد 200 فدانا..
  • وأهداه الخديو إسماعيل 250 فداناً..
  • واشترى الطهطاوي 900 فدان.. فبلغ جميع ما في ملكه إلى حين وفاته 1600 فدان، غير ما اشتراه من العقارات العديدة في بلده طهطا وفي القاهرة.

مدرسة الألسن

كان رفاعة الطهطاوي يأمل في إنشاء مدرسة عليا لتعليم اللغات الأجنبية، وإعداد طبقة من المترجمين المجيدين يقومون بترجمة ما تنتفع به الدولة من كتب الغرب، وتقدم باقتراحه إلى محمد علي ونجح في إقناعه بإنشاء مدرسة للمترجمين عرفت بمدرسة الألسن، مدة الدراسة بها خمس سنوات، قد تزاد إلى ست. وافتتحت المدرسة بالقاهرة سنة (1251هـ = 1835م)، وتولى رفاعة الطهطاوي نظارتها، وكانت تضم في أول أمرها فصولاً لتدريس اللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والتركية والفارسية، إلى جانب الهندسة والجبر والتاريخ والجغرافيا والشريعة الإسلامية. وقد بذل رفاعة جهدًا عظيمًا في إدارته للمدرسة، وكان يعمل فيها عمل أصحاب الرسالات ولا يتقيد بالمواعيد المحددة للدراسة، وربما استمر في درسه ثلاث ساعات أو أربعا دون توقف واقفًا على قدميه دون ملل أو تعب يشرح لهم الأدب والشرائع الإسلامية والغربية. وقد تخرجت الدفعة الأولى في المدرسة سنة (1255هـ = 1839م) وكان عددها عشرين خريجًا، وكانت مترجمات هؤلاء الخريجين قد طبعت أو في طريقها إلى الطبع. وقد اتسعت مدرسة الألسن، فضمت قسمًا لدراسة الإدارة الملكية العمومية سنة (1261هـ=1844م)، لإعداد الموظفين اللازمين للعمل بالإدارة الحكومية، وقسمًا آخر لدراسة الإدارة الزراعية الخصوصية بعد ذلك بعامين، كما ضمت قسمًا أنشئ سنة (1263هـ = 1847م) لدراسة الشريعة الإسلامية على مذهب أبي حنيفة النعمان لإعداد القضاة، وأصبحت بذلك مدرسة الألسن أشبه ما تكون بجامعة تضم كليات الآداب والحقوق والتجارة. وكان رفاعة الطهطاوي يقوم إلى جانب إدارته الفنية للمدرسة باختيار الكتب التي يترجمها تلاميذ المدرسة، ومراجعتها وإصلاح ترجمتها.

إغلاق ونفي

ظلت المدرسة خمسة عشر عامًا، كانت خلالها مشعلاً للعلم، ومنارة للمعرفة، ومكانًا لالتقاء الثقافتين العربية والغربية، إلى أن عصفت بها يد الحاكم الجديد عباس الأول، فقام بإغلاقها لعدم رضاه عن سياسة جده محمد علي وعمه إبراهيم باشا وذلك في سنة (1265هـ = 1849م)، كما أمر بإرسال رفاعة إلى السودان بحجة توليه نظارة مدرسة ابتدائية يقوم بإنشائها هناك، فتلقى رفاعة الأمر بجلد وصبر، وذهب إلى هناك، وظل هناك فترة دون عمل استغلها في ترجمة رواية فرنسية شهيرة بعنوان "مغامرات تلماك"، ثم قام بإنشاء المدرسة الابتدائية، وكان عدد المنتظمين بها نحو أربعين تلميذًا، ولم يستنكف المربي الكبير أن يدير هذه المدرسة الصغيرة، ويتعهد نجباءها برعاية خاصة. عود حميد

الخديوي إسماعيل

وبعد وفاة عباس الأول سنة (1270هـ== 1854م) عاد الطهطاوي إلى القاهرة، وأسندت إليه في عهد الوالي الجديد "سعيد باشا" عدة مناصب تربوية، فتولى نظارة المدرسة الحربية التي أنشأها سعيد لتخريج ضباط أركان حرب الجيش سنة (1277هـ == 1856م)، وقد عنى بها الطهطاوي عناية خاصة، وجعل دراسة اللغة العربية بها إجبارية على جميع الطلبة، وأعطى لهم حرية اختيار أجدى اللغتين الشرقيتين: التركية أو الفارسية، وإحدى اللغات الأوربية: الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، ثم أنشأ بها فرقة خاصة لدراسة المحاسبة، وقلمًا للترجمة برئاسة تلميذه وكاتب سيرته صالح مجدي، وأصبحت المدرسة الحربية قريبة الشبه بما كانت عليه مدرسة الألسن.

مع التراث

ولم يكتف رفاعة بهذه الأعمال العظيمة، فسعى إلى إنجاز أول مشروع لإحياء التراث العربي الإسلامي، ونجح في إقناع الحكومة بطبع عدة كتب من عيون التراث العربي على نفقتها، مثل تفسير القرآن للفخر الرازي المعروف بمفاتيح الغيب، ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص في البلاغة، وخزانة الأدب للبغدادي، ومقامات الحريري، وغير ذلك من الكتب التي كانت نادرة الوجود في ذلك الوقت. غير أن هذا النشاط الدءوب تعرض للتوقف سنة (1277هـ == 1861م) حيث خرج رفاعة من الخدمة، وألغيت مدرسة أركان الحرب، وظل عاطلاً عن العمل حتى تولى الخديوي إسماعيل الحكم سنة (1279هـ == 1863م)، فعاد رفاعة إلى ما كان عليه من عمل ونشاط على الرغم من تقدمه في السن، واقتحم مجالات التربية والتعليم بروح وثابة يحاول أن يأخذ بيد أمته إلى مدارج الرقي والتقدم، فأشرف على تدريس اللغة العربية بالمدارس، واختيار مدرسيها وتوجيههم، والكتب الدراسية المقررة، ورئاسة كثير من لجان امتحانات المدارس الأجنبية والمصرية.

قلم الترجمة

ومن أبرز الأعمال التي قام بها رفاعة في عهد الخديو إسماعيل نظارته لقلم الترجمة الذي أنشئ سنة (1280هـ = 1863م) لترجمة القوانين الفرنسية، ولم يكن هناك من أساطين المترجمين سوى تلاميذ الطهطاوي من خريجي مدرسة الألسن، فاستعان بهم في قلم الترجمة، ومن هؤلاء: عبد الله السيد وصالح مجدي ومحمد قدري. وكان مقر قلم الترجمة حجرة واحدة بديوان المدارس، ولم يحل ذلك دون إنجاز أعظم الأعمال، فترجموا القانون الفرنسي في عدة مجلدات وطبع في مطبعة بولاق، ولم تكن هذه المهمة يسيرة، إذ كانت تتطلب إلمامًا واسعًا بالقوانين الفرنسية وبأحكام الشريعة الإسلامية، لاختيار المصطلحات الفقهية المطابقة لمثيلاتها في القانون الفرنسي.


روضة المدارس

حين عهد إلى الطهطاوي إصدار مجلة روضة المدارس ، سنة (1287هـ = 1870م) جعل منها منارة لتعليم الأمة ونشر الثقافة بين أبنائها، فقد نظمها أقسامًا، وجعل على رأس كل قسم واحدًا من كبار العلماء من أمثال عبد اللة فكرى الأديب الكبير، واسماعيل الفلكى   العالم الرياضي والفلكي، ومحمد باشا قدرى  القانوني الضليع، وصالح مجدى  ، والشيخ حسونة النواوى الفقيه الحنفي المعروف، وغيرهم. وكانت المجلة تنشر مقالات تاريخية وجغرافية واجتماعية وصحية وأدبية وقصصا وأشعارا، كما كانت تنشر ملخصًا لكثير من الدروس التي كانت تلقى بمدرسة "دار العلوم".
اعتادت المجلة أن تلحق بأعدادها كتبًا ألفت لها على أجزاء توزع مع كل عدد من أعدادها بحيث تكون في النهاية كتابًا مستقلاً، فنشرت كتاب "آثار الأفكار ومنثور الأزهار" لعبد اللة فكرى  و"حقائق الأخبار في أوصاف البحار" لعلى مبارك ، و"الصحة التامة والمنحة العامة" للدكتور محمد بدر  ، و"القول السديد في الاجتهاد والتجديد" للطهطاوي.
كان رفاعة قد نيف على السبعين حين ولي أمر مجلة الروضة، لكنه ظل مشتعل الذكاء وقاد الفكر، لم تنل الشيخوخة من عزيمته، فظل يكتب فيها مباحث ومقالات حتى توفي في 27 مايو 1873 م .

آثار فكرية

كتاب "نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز"، 
وعلى الرغم من كثرة المسئوليات التي تحملها رفاعة وأخذت من وقته الكثير، فإنه لم ينقطع عن الترجمة والتأليف فيما يعود بالنفع على الأمة، ولم يقض وقته إلا فيما فيه فائدة، وقد وصفه تلميذه النابه صالح مجدي بأنه "قليل النوم، كثير الانهماك على التأليف والتراجم". وقد بدأ رفاعة إنتاجه الفكري منذ أن كان مبعوثًا في فرنسا، ومن أهم كتبه: - مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية.
- المرشد الأمين في تربية البنات والبنين.
- أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل.
- نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز، وهو آخر كتاب ألفه الطهطاوي، وسلك فيه مسلكا جديدا في تأليف السيرة النبوية تبعه فيه المحدثون.
أما الكتب التي قام بترجمتها فهي تزيد عن خمسة وعشرين كتابًا، وذلك غير ما أشرف عليه من الترجمات وما راجعه وصححه وهذبه.
ومن أعظم ما قدمه الرجل تلاميذه النوابغ الذين حملوا مصر في نهضتها الحديثة، وقدموا للأمة أكثر من ألفي كتاب خلال أقل من أربعين عامًا، ما بين مؤلف ومترجم.

رضا الحكام

لقد رضي محمد علي ومعظم أبنائه الولاة عن الشيخ رفاعة الطهطاوي فقد بلغت ثروته يوم وفاته 1600 ألف وستمائة فدان غير العقارات وهذه ثروته كما ذكرها علي مبارك باشا في خططه:
  • أهدى له إبراهيم باشا حديقة نادرة المثال في (الخانقاة). وهي مدينة تبلغ 36 فداناً.
  • أهداه محمد علي 250 فداناً بمدينة طهطا..
  • أهداه الخديو سعيد 200 فدانا..
  • وأهداه الخديو إسماعيل 250 فداناً..
واشترى الطهطاوي 900 فدان.. فبلغ جميع ما في ملكه إلى حين وفاته 1600 فدان، غير ما شراه من العقارات العديدة في بلده طهطا وفي القاهرة.

نقمة الحكام

بيد أن هذه الشعلة سرعان ما خبت، مع تولِّى الخديوى عباس  حكم مصر. فعبَّاسٌ هذا : أغلق مدرسة الألسن، وأوقف أعمال الترجمة، وقصر توزيع الوقائع على كبار رجال الدولة من الأتراك.. ونفى رفاعة إلى السودان (سنة 1267هجرية = 1850ميلادية)
وهكذا عَبَس وجه الثقافة، وعُوِّقَ رفاعة عن مشروعه النهضوى الكبير.. بيد أن رفاعة لم يعبس ولم يعاق، فواصل المشروع في منفاه، فترجم هناك مسرحية تليماك لفنلون، وجاهد للرجوع إلى الوطن.. وهو الأمرُ الذي تيسَّر، بعد موت الخديوى العَبَّاس، وولاية سعيد ؛ وكانت أربعة أعوام من النَّفْى قد مرَّتْ.
عاد رفاعة بأنشط مما كان، فأنشأ مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس، وعاود عمله في الترجمة (المعاصرة) ودفع مطبعة بولاق  لنشر أمهات كتب التراث العربى (الأصالة).. وقضى رفاعة فترةً حافلة، أخرى، من العمل الجامع بين الأصالة والمعاصرة؛ حتى انتكس سعيد.. فأغلق المدارس، وفصل رفاعة عن عمله (سنة 1278هـ/1861)
ويتولى إسماعيل الحكم بعد وفاة سعيد، سنة 1280 هجرية (1863 ميلادية) فيعاود رفاعة العمل، ويقضى العقد الأخير من عمره الحافل في نشاط مفعم بالأمل.. فيشرف مرة أخرى، أخيرة، على مكاتب التعليم، ويرأس إدارة الترجمة، ويصدر أول مجلة ثقافية في تاريخنا :روضة المدارس..ويكتب، في التاريخ: أَنْوارُ تَوْفِيقِ الجَلِيل فِى أَخْبَارِ مِصْرَ وتَوْثِيقِ بَنىِ إِسْمَاعِيل. وفى التربية والتعليم والتنشئة : مَبَاهِجُ الأَلْبَابِ المِصْرِيَّةِ فِى مَنَاهِج الآدَابِ العَصْرِيَّةِ.. المُرْشِدُ الأَمِينِ للبَنَاتِ والبنَينِ. وفى السيرة النبوية : نِهَايَةُ الإِيجَازِ فِى تَارِيخِ سَاكِنِ الحِجَازِ..

نقد فكر الطهطاوي

استوقفتني عبارة ذكرها الشيخ رفاعة الطهطاوي في كتابه تخليص الإبريز: "اعلم أنه جاء إلى الفرنساوية خبر وقوع بلاد الجزائر في أيديهم قبل حصول هذه الفتنة بزمن يسير، فبمجرد ما وصل هذا الخبر إلى رئيس الوزراء "بوليناق" أمر بتسييب مدافع الفرح والسرور، وصار يتماشى في المدينة كأنه يظهر العجب بنفسه، حيث إن مراده نفذ وانتصرت الفرنساوية في زمن وزراته على بلاد الجزائر، ومما وقع أن المطران الكبير لما سمع بأخذ الجزائر، ودخل الملك القديم الكنيسة يشكر الله سبحانه وتعالى على ذلك، جاء إليه ذلك المطران ليهنيه على هذه النصرة. فمن جملة كلامه مامعناه: أنه بحمد الله سبحانه وتعالى على كون الملة المسيحية انتصرت نصرة عظيمة على الملة الإسلامية، ولا زالت كذلك. انتهى. مع أن الحرب بين الفرنساوية وأهالي الجزائر إنما هي مجرد أمور سياسية ومشاحنات تجارات ومعاملات ومشاجرات ومجادلات، منشأها التكبر والتعاظم! ومن الأمثال الحكيمة لو كانت المشاجرة شجراً لم تثمر إلا ضجرا"
نلاحظ أن الذي أوصل الطهطاوي إلى هذا التأويل والفهم هو انطلاقه من مقدمة مادية فكانت النتيجة فاسدة بالتبعية لأنه كان أسير التفسير المادي للظواهر والأحداث التاريخية.
هكذا بشر الطهطاوي الأمة الإسلامية بدين الغرب الجديد وبقوانين الغرب وأخلاقهم!! ونتيجة خلطة الطهطاوي لأهل فرنسا وعلمائها وانبهاره بقوانينهم وسلوكياتهم، نراه يتأثر بالتفسير المادي في قراءة الأحداث التاريخية، فلاعجب إذن أن ينظر الطهطاوي إلى اعتداء فرنسا على الجزائر من منظور مادي، فالخلافات التجارية والمشاحنات المالية مع التكبر والتعاظم هو سبب الاعتداء!! وتغاضى الطهطاوي عن الباعث الحقيقي للعدوان الفرنسي وأغفل الجانب العقدي.
كانت هذه تقدمة لإلقاء الضوء على فكر ومنهج الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي واضع النطفة الأولى للعلمانية في العالم العربي والإسلامي؛ هذه النطفة الأولى التي وضعت في رحم أمتنا على حين فرقة من المسلمين وعلى حين ضعف وغفلة في بلاد الإسلام! وطفق السلخ يكبر في رحم الأمة حتى صار تنيناً مخيفاً يبتلع في جوفه كل القيم بلا استثناء.

مازعم أنه رائد التنويريين

أُطْلِق عليه «رائد التنوير في العصر الحديث» نجد فيما كتبه من آراءَ جديدةٍ، تُعْتَبَر هي البُذُور الأولى، لما يُسَمَّى «بالفكر المُسْتَنِير» والذي كان مصدر التَّلَقِّي له ما شاهده في الحياة الأوربية، وما قرَأَه مِن تَرْجَمةٍ من الكتب الفرنسية.
يقول عن «حُب الوطن»: (فجميع ما يجب على المؤمن لأخيه المؤمن منها يجب على أعضاء الوطن، من حقوق بعضهم على بعض، لما بينهم من الأُخُوَّة الوطنية فضْلاً عن الأُخُوَّة الدِّينية. فيجب أدَباً لمن يجمعهم وطن واحد، التعاون على تحسين الوطن وتكميل نظامه، فيما يخص شرف الوطن وغِناه وثروته، لأن الغِنَي إنما يتحصَّل من انتظام المعاملات وتحصيل المنافع العمومية، وهي تكون بين أهل الوطن على السَّوِية، لانتفاعهم جميعاً بِمَزِيَّة النَّخْوَة الوطنية)
ويُعَلِّق الدكتور محمد محمد حسين على هذا الكلام فيقول:(هذا الاتجاه هو أثرٌ من آثار الحضارة الغربية وتَصَوُّرها للوطن الجامع لمصالح ساكِنِيه على اختلاف أديانهم وأجناسهم، واقتباس من المجتمع الفرنسي بعد الثورة، الذي قَضَى على الرابطة الدينية، وأقام مكانها رابطة المصلحة الوطنية، أو ما سمَّاه الطهطاوي «المنافع العمومية» التي تقوم على الحرية والإخاء والمساواة بين أبناء الوطن الواحد».
ويَظْهَر تأثر الطهطاوي وإعجابه بفكرة الحرية في مجتمع الثورة الفرنسية، حيث نجده عقد لها فصلاً في كتاب «المُرْشِد الأمين للبنات والبنين» وتكلم فيه عن الحرية والمساواة وهما شعاران ضمن ثلاث شعارات للثورة الفرنسية .
وكما يقول الدكتور محمد محمد حسين ناقداً له: (بأنه لم يستطع أن يدرك الأغوار البعيدة والجوانب المتعددة لكلمة الحرية، ولم يستطع أن يدرك أنَّ نَقْل هذه الآراء إلى المجتمع الإسلامي يمكن أن ينتهي إلى النتيجة نفسها: نَبْذِ الدِّين، وتَسْفِيه رجاله، والخروج على حدوده. لم يدرك ذلك ولم يلاحظ إلا الجانب البرَّاق الذي يأخذ نظر المحروم من الحرية، حين تمارس في مختلف صورها وألوانها، وفي أوسع حدودها، فكان كالجائع المحروم الذي بَهَرَتْه مائدةٌ حافِلةٌ بألوان الأطعمة، فيها ما يلائمه وما لا يلائمه، ولكنه لم ينظر إليها بعين حِرْمانِه، ولم يرَها إلا صورةً من النعيم الذي يتُوقُ إليه ويَشْتهِيه)
ومما يُصَوِّر لنا التَّغَيُّر الفكري لَدَيْه، ما حدث له تحت تأثير إقامته في باريس، ومشاهدته لحال المرأة فيها، حيث أظهر إعجابه بما هي عليه، ونَفَى أنْ يكون الاختلاط والتبُّرج هناك داعياً إلى الفساد، أو دليلاً على التساهُل في العِرْض، وامْتَدح مُراقَصَة الرجال للنساء، ووَصَفَه بأنه فنٌّ مِن الفُنون (ولا يُشَمُّ منه رائحةُ العُهْر أَبَداً، وكل إنسانٍ يعْزِم امرأةً يَرْقُصُ معها، فإذا فَرَغ الرَّقْص عَزَمَها آخَرُ للرَّقصةِ الثانية وهكذا)
كما يُظْهِر إعجابه بالقوانين العقلية، والشرائع الوضعية في المجتمع الفرنسي في قوله: (والقانون الذي يمشي عليه الفرنساوية الآن، ويتخذونه أساساً لسياستهم هو القانون الذي ألَّفَه لهم ملكُهُم المُسَمَّى لِوِيز الثامن عشر. ولا زال مُتَّبَعاً عندهم ومُرْضِياً لهم، وفيه أمورٌ لا يُنْكِر ذَوُو العقول أنها من باب العدل... وإن كان غالب ما فيه ليس من كتاب الله تعالى ولا من سُنَّة رَسُول الله- ×- لِتَعْرِفَ كيف حَكَمَتْ عقولهم بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير المَمَالِك وراحة العباد)

وفاته

توفى رفاعة الطهطاوى سنة 1873 م.



تغريد فؤاد عبد الحليم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق